آخر الأخبار
المقالات

 إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم الجديدة… كما قال محدثي..!

 

عندما تطرح الحكومة رؤيتها بوضوح، وتحدد أولوياتها ومشاريعها الكبرى، فإنها تفتح الباب لبيئة يسودها التفاؤل والثقة، وتحفّز القطاع الخاص على الاستثمار الفعّال، كما تُشعل حماس المواطنين الذين يتطلعون إلى إعادة بناء الخرطوم على أسس حديثة ومستدامة.

مثل هذا الإعلان كما قال لي صديقي الباشمهندس محمود حسين، يمثل بداية لمرحلة جديدة من الشراكة والتكامل بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع السوداني، في سبيل تحويل الخرطوم إلى نموذج حضري واقتصادي يليق بتاريخ السودان ومكانته.

قرار الفريق إبراهيم جابر، رئيس لجنة إعادة الإعمار بنقل المؤسسات الحكومية من وسط الخرطوم، هو بمثابة إعلان نهاية الخرطوم القديمة وبداية تشكّل مدينة جديدة بهوية مختلفة. إنها دعوة غير مباشرة لإعادة تخيّل العاصمة، كفرصة جديدة لإعادة البناء من الجذور.

الخرطوم كما عرفناها قد انتهت؛ والسؤال لم يعد: أين ستنتقل المقرات؟ بل: من سيكتب الصفحة التالية من تاريخ الخرطوم؟ هل نتركها للوافدين، أم ننهض لننقش أسماءنا في طرقات الخرطوم القادمة؟ في تقديري، يقف رأس المال الوطني أمام لحظة اختبار، إما أن يكتفي بدور الشاهد، أو أن يصنع المستقبل.

إعادة بناء الخرطوم ليست مجرد عملية هندسية لترميم المباني والجسور والطرقات المدمرة بفعل الحرب، بل هي مشروع لإعادة التأسيس الشامل يستهدف قلب المدينة ويعيد تعريفها. إنها إعادة بناء للثقة بين المواطن والدولة، وإعادة ترتيب للعلاقة بين المجتمع ورجال الأعمال، دعونا نقول : إعادة صياغة الخرطوم كمدينة واقتصاد ومجتمع وحلم.

فبعد سنوات الحرب، تقف العاصمة على مفترق طرق : إما أن تعود إلى ماضيها بما يحمله من أزمات، أو أن تنطلق في مشروع جديد يضع فيه القطاع الخاص بصمته بوعي يليق بدوره الوطني.

الدولة اليوم لم تعد قادرة وحدها على حمل عبء إعادة الإعمار. لذلك، يتحتم على القطاع الخاص أن يتجاوز أدواره التقليدية، وأن يتحول من متلقٍ أو داعم، إلى شريك استراتيجي ورئيسي في ملحمة إعادة البناء. وهذا لا يتحقق إلا برؤية استراتيجية واضحة، تُحدد الأدوار، وتفتح المجال أمام مشاركة حقيقية في الاستثمار والتنفيذ.

في هذا السياق، يمكن للقطاع الخاص أن يتحول إلى قوة فاعلة تحرك عجلة الاقتصاد، وتعيد إحياء المشاريع الوطنية الكبرى، من خلال الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية التحتية، مستفيدًا من تجارب دولية أثبتت نجاحها، مثل لبنان ورواندا ومصر. فالخرطوم تستحق أن تُبنى بأيدينا وعقولنا وإرادتنا الوطنية المشتركة.

في السودان لدينا قطاع خاص ضخم، متنوع وعميق الجذور. دال قروب، وآل البرير، والنفيدي ، والبرجوب ، والنحلة، ومرتضى معاذ، والشيخ مصطفي الأمين وغيرها من مئات الشركات العاملة في الزراعة والصناعة والبنية التحتية والاتصالات والنقل والتمويل والخدمات الطبية والتعليمية.

المطلوب اليوم ليس التبرعات الموسمية، بل المشاركة الهيكلية في بناء العاصمة، عبر تحالفات قطاعية متخصصة. فشركات البناء تتولى إعادة تأهيل الطرق والجسور والأحياء، وقطاع التكنولوجيا يبني البنية الرقمية، والزراعة والصناعات الغذائية تنشئ مجمّعات إنتاج وتوزيع، بينما يقود قطاع الصحة إنشاء المستشفيات، والتعليم يبني الجامعات والمراكز المهنية، والشركات المالية توفر التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

هذه ليست أفكارًا طوباوية، بل نماذج أثبتت نجاحها. ففي بيروت بعد الحرب الأهلية، أعادت شركة سوليدير وسط العاصمة إلى الحياة بشراكة بين الدولة والقطاع الخاص. وفي رواندا أعيد بناء كيغالي عبر مبادرات وطنية لرجال الأعمال، لتصبح من أسرع مدن إفريقيا نموًا. وفي مصر تحول القطاع الخاص إلى شريك رئيسي– طلعت مصطفي- في المشروعات القومية الكبرى، من مدن جديدة إلى شبكات كهرباء ومجمعات صناعية، بفضل رؤية حكومية واضحة.

ورغم اختلاف السياقات، فإن الرسالة واحدة: رأس المال الوطني قادر على أن يكون ذراع البناء، إذا توفرت له بيئة واضحة ومهام محددة، مع الاعتراف بدوره في إعادة التأسيس.

كما قال محدثي: في السودان بحسب #وجه_الحقيقة لا ينقصنا رأس المال، ولا تنقصنا الشركات، بل تنقصنا الإرادة الجماعية لتصميم شراكة ذكية في الإعمار. فالوطن لا يُبنى فقط على الطوب والحديد، بل على الشراكة، وعلى الاعتراف المتبادل بين رأس المال والسلطة والمجتمع. المطلوب أن تُعلن الحكومة رؤيتها وخريطتها التفصيلية لإعادة بناء الخرطوم عبر الوسائط الإعلامية المختلفة، ليكون ذلك إعلانًا وطنيًا شاملاً يحفّز القطاع الخاص، ويُطمئن المواطن، ويُطلق ولادة مدينة جديدة، وحديثة، ومستدامة.

دمتم بخير وعافية.
الأحد 24 أغسطس 2025 Shglawi55@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى