عزمي عبد الرازق يكتب: فوضى الرتب وحمل السلاح
أنا ضد حمل السلاح داخل المدن الآمنة، أيًّا كان حامله أو مبرراته أو انتماؤه. فحين تنتشر الأسلحة بين الأفراد، يصبح من الصعب ضبط الانفعالات والتحكم في ردود الفعل، وقد يقود أي استفزاز بسيط إلى اشتباك تتسع دائرته بسرعة، فتعم الفوضى ويتناسل الضحايا بلا مبرر. وهذا المبدأ ينطبق على جميع القوات المساندة للجيش بلا استثناء، ما عدا الوحدات الشرطية المعنية بمهام حفظ الأمن الداخلي.
إن التحدي المقبل في مسار تطبيع الحياة المدنية يبدأ من حصر حمل السلاح في يد الجهات المختصة، ومنع المظاهر العسكرية غير المنضبطة داخل المدن، لأن المجتمع يكتسب استقراره عندما يختفي الرصاص العشوائي، والموت المجاني.
أما فوضى الرتب العسكرية فهي قضية لا تقل خطورة، وتحتاج إلى حسم واضح إن لم يكن الآن، فبعد نهاية الحرب مباشرة، وقد عرفنا رجالاً عِظاماً شاركوا في ساحات القتال في جنوب السودان، من علماء ووزراء وأكاديميين، لم يحملوا أي رتب على أكتافهم؛ مثل البروفسور الراحل أحمد علي الإمام، والبروفسور الزبير بشير طه، وحتى الشهيد علي عبد الفتاح، والشهيد مهند فضل. كان حضورهم بالقيمة والمشاركة والانتماء للوطن والقضية، لا بالرتبة.
ولذلك فإن أسوأ ما خلفته ظاهرة حمل السلاح وفوضى الرتب أنها أغرت مليشيا الدعم السريع بالتمرد، ومنحتها وهماً بالقوة، فاستباحت حياة الناس وأمنهم، وهذه التجربة القاسية يجب أن تكون درساً يستفاد منه، حتى تكون الكلمة الأولى والأخيرة – عسكرياً – للقوات المسلحة وحدها، وأن تظل الرتب العسكرية حصرياً على الكلية الحربية ومؤسسات التدريب النظامية، مع احترامنا الكامل لكل القوات المساندة، وتقديرنا لتضحياتها وبطولاتها في حرب الكرامة.
