السفير د.معاوية التوم يكتب : تدابير مواجهة العدوان الإماراتي على السودان.. مقاربة سياسية واقتصادية وأمنية!؟
سودان بوست

المقدمة:
شهدت العلاقات السودانية الإماراتية تحولات جوهرية منذ استقلال السودان، حيث مرت بفترات من التقارب والفتور حسب تغير المصالح والسياسات الإقليمية والدولية خاصة عقب حرب الخليج. حيث قامت الإمارات بطرد السفير على الرحمن النميري في العام ١٩٩١م. واستمرت العلاقات على وتيرة منخفضة لأكثر من ١٥ عاما..وفي العقود الأخيرة، برزت الإمارات فجاة كفاعل إقليمي بأجندات مشبوهة وبشراكة مستترة كمنصة لتسويق (المباديء الإبراهيمية) تسعى إلى بسط نفوذها في المنطقة، مستغلةً الأزمات الداخلية لدول عديدة، عبر وكلاء محليين ومن بينها السودان، لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية خارج أر التعامل الدبلوماسي المعهود .
ومع اندلاع ما سمي بثورة (ديسمبر / أبريل 2018 2019 ) في السودان، تعاظم الدور الإماراتي بالتدخل في الشأن الداخلي للسودان في محاولة التأثير على مسار الانتقال السياسي، عبر دعم قوى سياسية وعسكرية (قوى الحرية والتغيير / الدعم السريع)لتحقيق أجندات خاصة، ما أدى إلى تصاعد الشكوك والتوترات بين البلدين. تفاقمت هذه التوترات مع تصاعد الوعي الجمعي الشعبي في السودان حول دور الإمارات الهدام في إجهاض التحول الديمقراطي، وفرض رؤيتها مما دفع الحكومة السودانية إلى اتخاذ خطوات حاسمة في مواجهة هذه التدخلات، رعايتها المباشرة وتمويلها الحرب التي شنتها قوات الدعم السريع المتمردة وظهيرها السياسي في العام ٢٠٢٣ ، وإسنادها بكافة متطلباتها ،وبلغت ذرو العداء بقطع العلاقات الدبلوماسية معها في مايو 2025، وسحب طاقم البعثة والقنصلية العامة بدبي.
في هذا السياق، تأتي هذه المقاربة لتسلط الضوء على تدابير المحتملة لمواجهة العدوان الإماراتي على السودان، من خلال رؤية شاملة تجمع بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والقانونية، مع استعراض السياسات الممكنة لتعزيز السيادة الوطنية وصون المكتسبات وحماية الأمن القومي للبلاد.
2. الأبعاد السياسية:
تعد الأبعاد السياسية من الركائز الأساسية في مواجهة العدوان الإماراتي على السودان، إذ تستند إلى تعزيز السيادة الوطنية، وتفعيل الدبلوماسية الإقليمية والدولية، وبناء تحالفات قوية تضمن حماية المصالح السودانية وتحد من التدخلات الخارجية.
تعزيز السيادة الوطنية عبر التحالفات الإقليمية:
يمثل التعاون مع المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي (AU) والهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) والجامعة العربية، خطوة محورية في تحصين القرار السوداني من التأثيرات الخارجية. يمكن للسودان أن يلعب دورًا فاعلًا في هذه المنظمات لتعزيز مواقفه السياسية، وتبني مبادرات تهدف إلى حماية سيادته ووحدة أراضيه. كما يمكن الدفع باتجاه دعم إقليمي لمواجهة التدخلات الإماراتية السافرة ، من خلال قرارات ملزمة تمنع انتهاك سيادة الدول الأعضاء وتردع العدوان.
استقطاب الدعم الدولي:
يمثل استقطاب الدعم الدولي ركيزة مهمة لمواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي قد تمارسها الإمارات وحلفاؤها. يمكن للسودان بناء علاقات استراتيجية مع دول ذات مصالح مشتركة في استقرار المنطقة والاقليم ، مثل تركيا، وقطر، وماليزيا، وروسيا، والصين، وغيرها بما يضمن حماية الموقف السوداني في المحافل الدولية، وكسر الهيمنة الإماراتية ونفوذها وأدواتها في بعض الملفات الإقليمية.
تفعيل الدبلوماسية الشعبية:
في سياق بناء الدعم الدولي، يمكن تفعيل الدبلوماسية الشعبية عبر الجاليات السودانية في الخارج، ومنظمات المجتمع المدني، لتوضيح حقيقة وحجم التدخلات الإماراتية وتأثيرها السلبي على استقرار السودان، والكلفة المادية والبشرية التي بلغتها الحرب انسانيا وماديا . كما يمكن تنظيم حملات دولية لفضح الممارسات الإماراتية، بتغولها وكسب التأييد الشعبي العالمي للوقوف مع السودان في مواجهة هذا التآمر والعدوان المفتوح .
3. الأبعاد الاقتصادية:
تلعب الأبعاد الاقتصادية دورًا حاسمًا في تعزيز قدرة السودان على مواجهة العدوان الإماراتي، إذ يرتبط الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي، والقدرة على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الاستثمارات الخارجية. في هذا السياق، يمكن التركيز على ثلاثة محاور رئيسية:
تنويع الشراكات الاقتصادية والبحث عن بدائل للاستثمارات الإماراتية:
لقد اعتمدت الإمارات في تدخلاتها على استخدام الاستثمارات الخارجية كوسيلة للتأثير السياسي والضغط الاقتصادي على السودان. باحتكارها صادر الذهب وتهريبه والمعادن الاخري، اضافة الي المواني والزراعة والواردات . لذلك، يتطلب الأمر إعادة هيكلة الاستراتيجيات الاقتصادية عبر تنويع الشراكات الإقليمية والدولية، وفتح قنوات استثمار جديدة مع تركيا، وقطر، وماليزيا، وروسيا، والصين، بالإضافة إلى الدول الإفريقية المجاورة، لتعويض الفجوة الاقتصادية المحتملة وتقليل الاعتماد على الاستثمارات الإماراتية.
تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات:
يشكل الإنتاج المحلي الدعامة الأساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومواجهة الضغوط الاقتصادية. يجب على السودان التركيز على قطاع الزراعة والمعادن كونه مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي، مع تطوير الصناعات التحويلية والاستفادة من الموارد الطبيعية لتعزيز القدرات التصديرية. كما يمكن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحفيز الإنتاج المحلي، والحد من استيراد السلع الأساسية.
تقوية القطاع المصرفي لمواجهة الضغوط الاقتصادية:
للتصدي لأي عقوبات اقتصادية أو سحب مفاجئ للاستثمارات، ينبغي إصلاح القطاع المصرفي السوداني، وتعزيز قدرته على مواجهة الأزمات المالية وتوسيع تعاملاته بايجاد منصات تمويل وتحويل بديلة للعملات الحرة(المنامة/غانا) . يمكن تحقيق ذلك من خلال:
• إنشاء صناديق سيادية لدعم المشاريع التنموية وتقليل الاعتماد على الاستثمارات الخارجية.
• تعزيز التعاون المصرفي مع الدول الصديقة لتأمين تدفق العملات الصعبة.
• تطوير الأنظمة البنكية لتسهيل المعاملات المالية الخارجية بعيدًا عن الهيمنة الاماراتية وسلاح العقوبات.
4. الأبعاد الأمنية والعسكرية:
تعد الأبعاد الأمنية والعسكرية محورًا حاسمًا في حماية سيادة السودان من التدخلات الخارجية، بما فيها العدوان الإماراتي. وقد كانت الحلقة الأضعف من خلال التمدد الأفقي والراسي العسكري لقوات الدعم السريع بقدرات مهولة ومنظومة صواريخ وراجمات و درونز انتحارية واستراتيجية متطورة وكافة أشكال الدعم اللوجستي والتقني والعتاد والمؤن. كشفت عنها هذه الحرب المفروضة على البلاد فضلا عن المخدرات والرشى. ولضمان استقرار البلاد وحماية حدودها ومصالحها الحيوية، يجب التركيز على ثلاثة محاور رئيسية:
تعزيز الجاهزية الدفاعية على الحدود والمنافذ الحيوية:
تمثل الحدود السودانية البرية والمنافذ البحرية والجوية مداخل محتملة للتدخلات الخارجية والتهريب ودعم الفصائل المسلحة وتدفق الأسلحة والمرتزقة. لذلك، ينبغي:
• تعزيز الوجود العسكري والأمني في المناطق الحدودية، خاصة مع ليبيا وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان ، والتي قد تُستغل كنقاط نفوذ إماراتية.
• تحديث القوات المسلحة وتطوير قدراتها التقنية والاستخباراتية والجوية لمراقبة التحركات المشبوهة ومنع التسلل.
• تأمين الموانئ والمنافذ الجوية لضمان عدم استخدامها لتمرير دعم لوجستي لفصائل مسلحة أو لتنفيذ عمليات تجسس، باحدث التقنيات الرقمية وشبكات الرادار والتغطية متعددة الاغراض، الي جانب شراكات القواعد العسكرية البحرية والبرية .
التعاون مع القوى الإقليمية لتبادل المعلومات الأمنية:
يمثل التعاون الإقليمي أداة مهمة لتقويض التدخلات الإماراتية، وتعزيز السلم والأمن الاقليمي من خلال:
• تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية مع الدول المجاورة ذات المصالح المشتركة في استقرار المنطقة، مثل مصر وإثيوبيا وتشاد واريتريا وجنوب السودان والسعودية .
• تفعيل دور المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية ، الإيقاد والاتحاد الإفريقي في مراقبة الحدود ومنع التدخلات الأجنبية.
• عقد اتفاقيات أمنية مشتركة لضبط الحدود والتصدي لأي محاولات لزعزعة الاستقرار.
تطوير استراتيجيات الأمن السيبراني لحماية البنية التحتية:
أصبحت شبكات الاتصال والهجمات السيبرانية أداة فعالة للتدخل في شؤون الدول وإضعاف بنيتها التحتية، لذلك يتعين على السودان:
• إنشاء وحدات متخصصة في الأمن السيبراني ومكافحة المسيرات والصواريخ بعيدة المدى لحماية القطاعات الحيوية مثل الطاقة والمصارف والاتصالات.
• تطوير آليات الإنذار المبكر للكشف عن أي اختراقات محتملة.
• التعاون مع دول متقدمة في هذا المجال لاكتساب الخبرات وتعزيز القدرات الدفاعية الرقمية ونقل تجاربها .
5. الأبعاد القانونية والدولية:
يمثل المسار القانوني والدبلوماسي بعدًا محوريًا في مواجهة العدوان الإماراتي على السودان، حيث يمكن اللجوء إلى الآليات القانونية الدولية والإقليمية لتوثيق الانتهاكات وتعزيز الموقف السوداني في المحافل الدولية بحسبانه عدوانا شاملا يتعارض كلية وميثاق الامم المتحدة والمباديء التي يقوم عليها.
اللجوء إلى المحاكم الدولية لرفع قضايا تتعلق بالتدخل في الشؤون الداخلية:
تتيح القوانين الدولية للدول المتضررة حق مقاضاة الأطراف التي تتدخل في شؤونها الداخلية أو تنتهك سيادتها. يمكن للسودان:
• تقديم شكاوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية (ICJ) ضد الإمارات بتهمة التدخل في الشؤون الداخلية ودعم المليشيات المسلحة وزعزعة الاستقرار.
• رفع قضايا في المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إذا ثبت تورط شخصيات أو جهات إماراتية في جرائم حرب أو انتهاكات حقوقية داخل السودان.
• طلب تحقيقات دولية مستقلة حول الدور الإماراتي في تمويل وتسليح الفصائل المسلحة، مع توثيق الأدلة اللازمة لدعم هذه الدعاوى.
توثيق الانتهاكات ورفعها لمجلس الأمن والاتحاد الإفريقي:
تعد توثيق الانتهاكات خطوة محورية لتعزيز الموقف السوداني في المحافل الدولية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
• إعداد ملفات قانونية موثقة تتضمن الانتهاكات الإماراتية ضد سيادة السودان، ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي للمطالبة باتخاذ تدابير عقابية.
• تفعيل دور الاتحاد الإفريقي، والدعوة إلى جلسات طارئة لمناقشة التدخلات الخارجية في الشؤون السودانية، والضغط من أجل إصدار قرارات تدين هذه التدخلات.
• التعاون مع منظمات حقوق الإنسان لتوثيق أي اعتداءات أو انتهاكات لحقوق المدنيين نتيجة التدخلات الخارجية.
تفعيل الدبلوماسية القانونية في المنظمات الدولية:
من المهم أن يعمل السودان على استخدام أدوات القانون الدولي والدبلوماسية القانونية في المحافل الأممية مثل:
• مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لفضح التدخلات وكسب التأييد الدولي.
• الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي لتقديم شكاوى رسمية وإبراز الانتهاكات الإماراتية بشكل مستمر.
6. الخاتمة والتوصيات:
في خضم التحديات التي تواجه السودان جراء التدخلات الإماراتية في شؤونه الداخلية، ورعاية حرب شاملة على شعبه وموارده تبرز الحاجة إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة تعزز السيادة الوطنية وتحمي المكتسبات السودانية. إن مواجهة هذا العدوان بجدية لا تقتصر على البعد العسكري فحسب، بل تتطلب مقاربة سياسية واقتصادية وأمنية وقانونية متكاملة.
توصيات عامة:
1. وضع خارطة طريق وطنية:
• إعداد خطة استراتيجية واضحة المعالم لتعزيز الاستقلال الوطني والأمن القومي وحماية الموارد والمنافذ الحيوية بإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة .
• تحديد أولويات التنمية الاقتصادية بعيدًا عن الهيمنة الأجنبية، وتنويع الشراكات الاقتصادية بما يخدم المصالح السودانية.
2. تعزيز الوحدة الوطنية:
• تقوية الجبهة الداخلية وتوحيد الصفوف بين القوى السياسية والمدنية لمواجهة التدخلات الخارجية، والاستفادة من جموع السودانيين بالمهجر .
• نشر الوعي المجتمعي حول مخاطر التدخلات الإماراتية ومواجهتها وضرورة الوقوف ضدها بحزم.
. استمرار الحملة الإعلامية وتنسيق واجهاتها ورسائلها على كافة الوسائط .
3. تفعيل الدبلوماسية الدولية والإقليمية:
• التحرك في الأطر الإقليمية والدولية لتوضيح الموقف السوداني وفضح ممارسات الإمارات أمام المجتمع الدولي وتعريتها واستلام قادة الإعلام العربي والأفريقي.
• استخدام التحالفات الإقليمية كأداة ضغط لردع أي تدخلات تهدد أمن السودان واستقراره.
4. تقوية البنية التحتية الأمنية والعسكرية:
• تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية على الحدود والمنافذ الاستراتيجية.
• تطوير الأمن السيبراني لحماية مؤسسات الدولة من الهجمات الإلكترونية المحتملة.
5. التوجه نحو العدالة الدولية:
• تحريك دعاوى قانونية في المحاكم الدولية لتوثيق الانتهاكات الإماراتية، والمطالبة بالتعويضات اللازمة.
• تفعيل المسار القانوني في الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن والجامعة العربية لتعزيز موقف السودان اقليميا ودولياً.
———
٨ مايو ٢٠٢٥م